وبركاته
الاتصالات بالألياف البصرية:
تعود تجارب إستخدام الضوء في الاتصالات إلى عام 1880م عندما أجرى مخترع الهاتف ؛ألكسندر جراهام بل تجربة نقل الصوت من خلال الضوء بواسطة جهاز ابتكره لهذه الغاية وتم نقل الصوت بهذه الطريقة مسافة 200 متر. وكان هذا الجهاز يتألف من مرآة هي عبارة عن لوح معدني رقيق عاكس مرتبطة بلاقطة صوت تقوم ذبذبات الصوت بضبط شعاع الضوء (ضوء الشمس في هذه التجربة) وأمكن استقبال الضوء بواسطة خلية حساسة للضوء من مادة السلينيوم واستعادة الإشارة الصوتية منها على ب عد 200 متر وسمي إبتكاره هذا بالهاتف الضوئي.
هذه الطريقة لم تمكن صاحبها من الإستفادة منها كما حدث للهاتف نتيجة ما تعانيه من تغيرات الأحوال الجوية مثل هطول الأمطار أو الغبار كما أنها عرضة للإكتشاف والتصنت. ولم يتعدى الهاتف الضوئي مرحلة التجارب لعدم وجود مصدر ضوئي ذو كفاءة جيدة بل استخدم الشمس وعدم وجود وسط ناقل قليل الفقد بل استخدم الهواء. وانتظرت هذه التجارب ثمانين عاما أخرى قبل أن تتخطى مرحلة مهمة وهي إبتكار الليزر عام 1960م فالليزر LASER: Light Amplification by Stimulated Imition Radiation يوفر مصدر إشعاع ضوئي ضيق الحزمة عالي الطاقة يغذى بمصدر كهربائي مما شكل وسيلة مناسبة لحمل المعلومات.
إلا أن تجارب إستخدام إشعاع الليزر في الاتصالات في الهواء لم تكن ممكنة التطبيق عمليا وعلى نطاق تجاري لأنها يمكن أن تسبب العمى عند مواجهة العين البشرية حزمة إشعاع الليزر.
لكن إبتكار جهاز الليزر حفز الباحثين لإستخدامه في الاتصالات من خلال إستخدام الزجاج كوسط ناقل إلا أن التجارب التي أجريت كانت تواجه مشكلة كون نقاوة الزجاج المتوفر في ذلك الوقت لم تكن كافية لتوفير إتصالات عملية لمسافات طويلة.
وفي عام 1970م ابتكرت إحدى الشركات المتخصصة بتقنية الزجاج كابل ليف بصري يساوي 4 ديسبل/كيلو متر أي أن طاقة الإشارة الضوئية المرسلة عبر هذا الكابل تنخفض إلى نصف مقدارها بعد 800 متر.
وبالرغم من أن هذا المقدار يعد سيئا في الوقت الحاضر إلا أنه ع د نقلة نوعية في هذا المجال في ذلك الوقت.
وبالإضافة إلى ثنائي الليزر فقد تم إبتكار الثنائي الباعث للضوء Light Emitting Diod واستخدم في الشبكات القصيرة مثل الربط بين أجهزة الحاسوب وشبكات المعلومات المحلية وأنظمة التحكم في الطائرات.
الليف البصري:
يمكن تعريف الكابل البصري بكونه سلك رفيع جدا من الزجاج النقي جدا يتألف من لب تحيط به قشرة خارجية مصنوعة من نفس الزجاج لكنها تختلف عنه بإضافة بعض المركبات الكيميائية تجعل معامل الإنكسار لها أقل بقليل من اللب كما تحاط القشرة بمادة بلاستيكية لحماية الليف البصري من المؤثرات الميكانيكية.
وطبيعة تحول معامل الإنكسار تقسم الكابلات البصرية إلى نوعين: الأول; يتغير فيه معامل الإنكسار بصورة مفاجئة بين القشرة واللب ويدعى بكابل معامل القفزة Step index والنوع الثاني; والذي يتغير فيه معامل الإنكسار بصورة تدريجية في اللب والقشرة ويدعى بكابل المعامل المتدرج Graded index وشاع هذا النوع في بداية الثمانينات لسهولة صنعه ولكونه ذو فقد أقل من النوع السابق المماثل له في القطر المصنع في ذلك الوقت.
وفي نهاية الثمانينات تم تصنيع نوع جديد من كابل معامل القفزة ذو فقد أقل كما أن الضوضاء المتولدة فيه أقل من كابل العامل المتدرج وتأخر صنع هذا النوع من الكابل لكونه ذا لب بقطر 102 مايكرون بينما يكون قطر اللب بين 20050 مايكرون مناسبا للنوع المتدرج وأصبح النوع الجديد هو المؤهل للإستخدام في إتصالات الألياف البصرية للمسافات البعيدة.
ومن خلال البحوث والدراسات التي تم إجرائها لإختيار المدى المناسب لإستخدامه في الاتصالات البصرية وخاصة من ناحية إمتصاص الزجاج فقد لوحظ إمتصاص الزجاج للموجات الضوئية المرئية وفوق البنفسجية وتحت الحمراء الواطئة بدرجة أكبر. ولوحظ أن المدى بين 0.5 مايكرون الواقع في منطقة الآشعة تحت الحمراء هو أفضل مدى يحقق أقل فقد.
وفي نفس هذا المدى هناك عدة مديات بأطوال موجيه مختلفة تستخدم لإتصالات الألياف البصرية فقد بدأ أولا إستخدام مدى 0.85 مايكرون ثم تم إستحداث المدى 1.3 مايكرون وأخيرا مدى 1.6 مايكرون بعد تطوير هذا النوع من الكابلات وتم إختيار هذه المديات لكونها تمثل أطوال موجيه يكون فيها الكابل أقل ما يمكن.
مباديء الاتصالات الرقمية:
تشغل مركبات الصوت البشري الترددات دون 4كيلو هرتز وعند زيادة المدى إلى أكثر من ذلك نحصل على صوت أكثر جودة لكن زيادة المدى أكثر من 4 كيلوهرتز غير عملي لدوائر الهاتف ويمكن تخفيض المدى عن 4 كيلوهرتز وسماع الصوت والتعرف على هوية المتكلم إذا كان هذا التخفيض في الجودة مقبولا وتقل القدرة على التعرف على هوية المتكلم عند تخفيضها أكثر دون أن يكون لها تأثير على فهم الكلام البشري.
وجميع أنظمة الإتصالات بالألياف البصرية رقمية بينما تستخدم أساسا لنقل الصوت والصوت هو إشارة تناظرية Analogue وعند تحويله رقميا فإن معدل المعلومات يعتمد على معدل أخذ العينات Sampling وطبيعة التشفير وعادة ما يكون معدل أخذ العينات ضعف أقصى تردد مستخدم وهي بذلك 8000 عينة/ثانية وتم أخذ 8 مستويات للتعبير عن مقدار الإشارة وبذلك فإن معدل المعلومات في هذه الحالة هو 64Kb/s.
إلا أن بعض الأنظمة المستخدمة حاليا لا تستخدم معدل المعلومات هذا وخاصة في الاتصالات البعيدة بل تستخدم 32Kb/s أو 9.6Kb/s وأقل من ذلك بالنسبة للإتصالات المتنقلة عبر الأقمار الصناعية.
وشهدت الثمانينات بداية إستخدام الألياف البصرية في ربط مواقع الاتصالات القريبة وتم إستخدامه في الكابلات البحرية القصيرة مثل الكابل بين بريطانيا وهولندا والكابل الذي ربط جزيرة كورسيكا بالبر الفرنسي إلا أن عام 1988م شهد مد أول كابل إتصالات ضوئية بين ضفتي المحيط الأطلسي وكان بسعة 40000 مكالمة هاتفية في آن واحد أطلق عليه اسم TAT8.
ومنذ ذلك الحين برزت أهمية الإتصالات بالألياف البصرية كوسيلة مشابهة في الهدف للإتصالات بالأقمار الصناعية خاصة بالنسبة للإتصالات الهاتفية إلا أن سوق الإتصالات لم يلبث أن استقر لكون الألياف البصرية والأقمار الصناعية لا تتنافس مع بعضها بصورة مباشرة ويتم استخدام كل منهما على نطاق واسع وغالبا ما يكمل أحدهما الآخر لإختلاف محاسن مميزات كل منهما.
وفي عام 1992م تم تشغيل كابل الألياف البصرية المسمى TAT8 وهو يربط بين أسبانيا وفرنسا وبريطانيا ثم كندا والولايات المتحدة عبر الأطلسي وكان هذا الكابل بسعة 80000 مكالمة هاتفية في آن واحد ولم تقتصر فائدة الألياف البصرية على زيادة عدد المكالمات المنقولة بل أن المسافة بين مضخم وآخر إزدادت لتتراوح بين 10060كيلومتر بالنسبة للكابلات العابرة للمحيطات مما يزيد من فعالية النظام ويقلل تكاليف الصيانة.
وحتى نهاية الثمانينات كان السبيل الوحيد في تعويض الفقد في طاقة الإشارة الضوئية في الكابل البصري تتم بواسطة تحويل الإشارة الضوئية إلى كهربائية وتضخيمها ثم إعادة توليد الإشارة الضوئية بواسطة الليزر مرة أخرى وهي طريقة لا تتسم بالمرونة وتفرض إستبدال جميع المضخمات عند الحاجة إلى تطوير النظام وزيادة سعته.
وفي أواخر الثمانينات طور الباحثون في أماكن مختلفة من العالم طريقة جديدة لا تستخدم عملية الإلتفاف الكهربائية.
هذه العملية تتضمن إضافة عنصر معدني نادر هو الأربيوم إلى لب الكابل البصري وتكمن هذه الطريقة في تركيب الليزر (ثنائي الليزر) في أماكن منتخبة من الكابل ليشع ضوء بطول موجه معين يجعل أيونات عنصر الأربيوم في الكابل البصري المطعم بهذا العنصر تتهيج إلى مستوى طاقة أعلى ثم تعود إلى مستوى الطاقة السابق لتشع فوتون صورة من الفوتون المنبعث من ليزر الإرسال وتتكرر العملية لتولد العديد من الفوتونات في منطقة معينة من الكابل لتعطي ما يسمى بالمضخم الضوئي. وتمتاز المضخمات الضوئية بقدرتها على التعامل مع معدل معلومات مختلف بالإضافة إلى أنواع مختلفة من أنواع التضمين.
ويعد الكابل الذي يربط فلوريدا (الولايات المتحدة) ترينداد فنزويلا البرازيل والذي أطلق عليه إسم Americas1 أول كابل ضوئي يستخدم التقنية الحديثة وأصبح جاهزا للعمل منذ بداية عام 1995م.
ويعد الكابل الذي يربط عدن ب يبوتي مارا بقاع خليج عدن والذي تم إكماله أخيرا والذي يتألف من ثلاثة أزواج من الألياف البصرية أطول كابل اتصالات بالألياف البصرية يتم تمديده بلا مضخمات ويبلغ طوله 270 كيلو مترا .
وفي الحقيقة فإن السعة الكبيرة مع المعولية والخلو من تأثير الإشعاع الكهرومغناطيسي والذي تحدثه الأشكال الأخرى من موجات الإتصال وعدم القدرة على الإستراق تعد من الأمور المشجعة لإستخدام الإتصالات بالألياف البصرية.
وتزداد إستخدامات الألياف البصرية وتتحول من المسافات البعيدة إلى مسافات أقصر فهي تستخدم الآن في الاتصالات وشبكات الحاسوب وأنظمة الملاحة والأنظمة العسكرية.
وأصبحت أنظمة نقل الموجات البصرية تشكل نسبة مهمة من خطوط الإتصال العالمية الطويلة والشبكات المحلية الطويلة وشبكات الحاسوب في المراكز الضخمة وعلى نطاق محدود بعض شبكات الكابل التلفزيوني.
تقنيات مستقبلية واعدة:
عندما يتم نقل الإشارات الضوئية إلى مسافات بعيدة جدا فإن نبضات الإشارة الضوئية تتوسع نتيجة تشتت الضوء لذلك فقد بدأت العديد من الشركات المتخصصة بحوث لتحقيق طريقة تحفظ شكل النبضات الضوئية وهو ما أطلق عليه اسم سوليتون Solitons. إن تفسير ذلك معقد بعض الشيء لكننا يمكن أن نعطي تفسير مبسط لها وهو أن مصدرالضوء يبعث عدة أطوال موجيه من الضوء تنتقل بسرعة مختلفة عبر الكابل البصري وهو ما يسبب هذه الظاهرة وكل ماهو مطلوب هو الحصول على خواص في مادة الكابل ومضخماته تلغي ذلك السلوك. ولتحقيق ذلك هناك حاجة لجعل قمة في النبضة المرسلة وشكل للنبضة ويكون هذا النظام عاملا لنبضات ذات طاقة وطول موجه ثابتين.
وبما أن هذه الإشارات عند إرسالها بواسطة كابل من هذا النوع يمكن تجميعها عبر تقنية التقسيم الزمني متعدد الوصول ؛تشترك مع أخرى بنفس طول الموجه« فإن ذلك سيؤدي إلى زيادة سعة الإرسال وقد أجرى باحثو مختبرات ؛بل« للهاتف تجارب على كابلات الإتصال بالألياف كهذه بطول 9000 كيلو متر وبمعدل معلومات 2.5جيجابت و32جيجابت لكابل طول 90كيلو مترا بنجاح لكن عملية تطبيق هذه التقنيات تحتاج مزيدا من البحوث والتجارب