الجيل التالي من الطاقة النووية(*)
يمكن لمفاعلات نووية جديدة أكثر أمنا واقتصادا تلبية العديد من
حاجاتنا المستقبلية إلى الطاقة، كما يمكنها الحدّ من الاحترار العالمي.
<A.J.ليك> ـ <G.R. بينيت> ـ <F.J.كوتيك>
أدى الارتفاع المتزايد في أسعار الطاقة الكهربائية وفترات انقطاع التيار المتكررة في كاليفورنيا في صيف عام 2001 إلى تركيز الانتباه من جديد على الدور الأساسي للطاقة النووية في إبقاء المصابيح مضاءة في الولايات المتحدة. وحاليا تنتج 103 منشآت نووية خُمس الإنتاج الإجمالي من الكهرباء في الولايات المتحدة. وعلى الرغم من هواجس الجمهور مما حدث في ثري مايل آيلاند وفي تشيرنوبل، فإن الصناعة تعلمت الدرس ورسخت خلال العقد الماضي سجل أمان موثوقا به. وفي غضون ذلك ارتفعت كفاءة ووثوقية المنشآت النووية إلى مستويات قياسية. ومع الجدال المحتدم حاليا حول خفض غازات الاحتباس الحراري بهدف تجنب إمكانية حدوث الاحترار العالمي، أخذ عدد متزايد من الناس يدركون أن المفاعلات النووية تنتج الطاقة الكهربائية دون أن تطلق في الجو ثنائي أكسيد الكربون أو ملوثات أخرى مثل أكاسيد النتروجين ومركبات الكبريت المسببة للضبخان (للضباب الدخاني). ويُتوقع أن يزداد الطلب العالمي على الطاقة بنحو 50 في المئة بحلول عام 2030 وأن يتضاعف تقريبا بحلول عام 2050. ومن الواضح أن الوقت يبدو مناسبا لإعادة النظر في مستقبل الطاقة النووية [انظر: «حجج لصالح الطاقة النووية» في الصفحة 8].
لقد توقف الطلب على بناء منشآت الطاقة النووية الجديدة في الولايات المتحدة منذ عام 1978، وتم إنجاز آخر منشأة نووية عام 1995. ويتطلب استئناف بناء المنشآت النووية الكبيرة التصدي لقضايا مهمة تتعلق بقابليتها للبقاء اقتصاديا economic viability، وتحسين أمان التشغيل ومعالجة فعالة للنفايات، وحسن استغلال الموارد، كما تتعلق بالحد من انتشار الأسلحة؛ وهذه الأمور كلها تتأثر بالتصميم الذي يقع عليه الاختيار لمنظومة المفاعل النووي.
يتبنى مصممو المنظومات النووية الجديدة أساليب مبتكرة في محاولة إدراك النجاح. فهم، أولا، ينظرون إلى دورة الوقود النووي باعتبارها منظومة شاملة تتضمن جميع الخطوات من استخراج الخامات إلى معالجة النفايات، وتأسيس البنية التحتية اللازمة لدعم هذه الخطوات. وهم، ثانيا، يقيّمون المنظومات من حيث استدامتها sustainability ـ أي تلبيتها للحاجات الراهنة من دون أن تقف في وجه ازدهار الأجيال القادمة. وهذه استراتيجية تساعد على توضيح العلاقة بين إمدادات الطاقة وحاجات البيئة والمجتمع. وهذا التأكيد على الاستدامة يمكن أن يؤدي إلى إنتاج مواد مشتقة من الطاقة النووية إلى جانب الطاقة الكهربائية، مثل وقود الهدروجين لوسائل المواصلات. كما أنه يساعد على اكتشاف تصاميم بديلة للمفاعلات ولعمليات إعادة تدوير الوقود، قد تتمكن من تخفيض النفايات تخفيضا ملحوظا، وفي الوقت نفسه تسترد مقدارا أكبر من الطاقة التي يحويها اليورانيوم.
ونعتقد أن للتوسع في نشر تقانة الطاقة النووية ميزات لا يستهان بها مقارنة بمصادر الطاقة الأخرى، إلا أنه يواجه تحديات كبيرة تتعلق بأفضل وسيلة تجعل هذه التقانة مناسبة للمستقبل.
منظومات نووية مستقبلية(**)
في عام 1999 بدأت وزارة الطاقة في الولايات المتحدة برنامج الجيل IV (من المفاعلات) لمواجهة الصعوبات التي تحول دون تحقيق الاستدامة، ودرجة كافية من الأمان، وقاعدة اقتصادية تنافسية للطاقة النووية. ويشير الجيل IV إلى أربع فئات عامة لتقسيم التصاميم النووية: النماذج الأولية المبكرة من المفاعلات (الجيل I)، ومحطات منشآت الطاقة النووية الكبيرة المركزية الحالية (الجيل II)، ومفاعلات الماء الخفيف المتقدمة والمنظومات الأخرى التي تتميز بسمات أمان متأصلة inherent والتي صممت في السنوات الأخيرة (الجيل III)، ومنظومات الجيل التالي التي سوف تصمم وتبنى خلال عقدين من الآن (الجيل IV) [انظر الإطار في الصفحة 7]. ومع حلول عام 2000 نتج من الاهتمام الدولي بمشروع الجيل IV تحالف من تسع دول يضم: الأرجنتين، البرازيل، كندا، فرنسا، اليابان، جنوب أفريقيا، كوريا الجنوبية، المملكة المتحدة، الولايات المتحدة. وتعمل الدول المشاركة على التخطيط والتعاون في مجال أبحاث وتطوير منظومات الطاقة النووية المستقبلية.
كومة حصى: عقيدات بحجم كرة البليارد مصنوعة من وقود اليورانيوم المغلف والگرافيت، تشكل مع قضبان
التحكم، قلب مفاعل نووي تجريبي مبرَّد بالغاز في ألمانيا.
وعلى الرغم من أن برنامج الجيل IV يتقصى تنوعا واسعا من المنظومات الجديدة، فإن بعض الأمثلة يفيد في توضيح الأساليب العامة التي يطورها مصممو المفاعلات من أجل الوصول إلى أهدافهم. وتستند منظومات الجيل التالي هذه إلى ثلاث طوائف عامة من المفاعلات: المفاعلات المبردة بالغاز والمفاعلات المبردة بالماء ومفاعلات الطيف السريع fast-spectrum.
المفاعلات المبرَّدة بالغاز(***)
لقد بنيت المفاعلات النووية التي تستخدم الغاز (عادة الهليوم أو ثنائي أكسيد الكربون) لتبريد القلب core، وشُغّلت بنجاح، لكن استخدامها ظل محدودا حتى الآن. وهناك مشروع مثير بصورة خاصة، وهو المفاعل الحصوي ذو الوحدات(1) pebble-bed modular reactor له مزايا تصميمية عديدة تتفق اتفاقا جيدا مع أهداف الجيل IV. وتتابع هذا النظام المبرد بالغاز فرقٌ من المهندسين العاملين في الصين وجنوب أفريقيا والولايات المتحدة. وتخطط جنوب أفريقيا لبناء نموذج أولي بالحجم الكامل سيبدأ تشغيله عام 2006.
مفاعل نووي مبرَّد بالغاز
يحتوي قلب مفاعل نووي ذي وقود حصوي (موضح كفكرة عامة) على مئات الألوف من الحصى ـ وهي عناصر كروية من وقود أكسيد اليورانيوم والگرافيت. ويوفر هذا التصميم المبتكر كفاءات حرارية أعلى كثيرا مما توفره مفاعلات الماء الخفيف الحالية.
حصى الوقود النووي
عناصر وقود مستديرة تتيح إعادة التزويد بالوقود بصفة مستمرة أثناء التشغيل ولا يمكن أن تنصهر، ولا تتلف إلا ببطء، فتوفر بذلك هامش أمان جوهريا.
ويستند تصميم المفاعل الحصوي إلى عنصر وقود أساسي يدعى الحصاة، وهي كرة من الگرافيت بحجم كرة البليارد تحتوي على نحو 15000 حبيبة من أكسيد اليورانيوم بقطر بذرة الخشخاش poppy [انظر الشكل في هذه الصفحة]. ويوجد على كل من هذه الجسيمات الموزعة بانتظام عدة أغلفة عالية الكثافة. وتقوم إحدى الطبقات المؤلفة من كربيد السيليكون الخزفي القاسي مقام وعاء الضغط الذي يحتجز نواتج الانشطار النووي أثناء تشغيل المفاعل وأثناء الارتفاعات العَرَضية في درجة الحرارة. ويوضع نحو 000 330من حصى الوقود الكروية هذه في وعاء معدني محاط بدرع من القوالب الگرافيتية. ويزود القلب إضافة إلى ذلك بنحو 000 100حصاة گرافيتية خالية من الوقود بهدف التحكم في توزيع الطاقة ودرجة الحرارة داخله من خلال المباعدة بين حصى الوقود الحار.
وتستخدم مواد مقاومة للحرارة والانصهار في القلب بأكمله لتمكن المنظومة الحصوية من العمل عند درجات حرارة أعلى كثيرا من درجة الحرارة المعتادة ـ 300 سيلزية ـ التي تنتج في التصاميم الحالية للمفاعلات المبردة بالماء الخفيف (الجيل II). ويُدفع غاز التبريد (الهليوم) الذي يخرج من القلب عند درجة الحرارة 900 سيلزية، مباشرة إلى منظومة عنفة (توربين)/مولد غازي ينتج الكهرباء بمستوى كفاءة حرارية عال نسبيا يبلغ 40 في المئة، أي أفضل بمقدار الربع من مفاعلات الماء الخفيف الحالية.
أساسيات الطاقة النووية(****)
إن معظم منشآت الطاقة النووية في العالم هي مفاعلات الماء المضغوط. وفي هذه المنظومات يستخدم الماء المضغوط ضغطا عاليا (155 وحدة ضغط جوي) لمنعه من الغليان، كمبرّد وكسائل عامل. وقد بدأ تشغيل أول مفاعل تجاري يعمل بالماء الخفيف المضغوط في عام 1957، وكان قد تم تطويره في البداية في الولايات المتحدة اعتمادا على الخبرة المكتسبة من برنامج مفاعل البحرية الأمريكية.
يتألف قلب مفاعل الماء المضغوط من صفيفات من قضبان الوقود المغلفة بسبيكة الزركونيوم والمحشوة بحبات pellets أسطوانية صغيرة من أكسيد اليورانيوم المزود بنسبة بسيطة من النظائر المنشطرة (المخصّب) وبأقطار تعادل قطر قطعة عملة العشرة سنتات الأمريكية. إن الصفيف النموذجي المربع مكون من 17 17x قضيب وقود تشكل تجميعة وقودية، وتُرتَّب نحو 200 تجميعة وقودية لتشكل قلب المفاعل. والقلوب النموذجية التي يبلغ قطرها 3.5 متر وارتفاعها 3.5 متر تكون محتواة داخل أوعية ضغط فولاذية تراوح ثخانتها بين 15 و 20 سنتيمترا.
تُنتج التفاعلات الانشطارية حرارة تُزال بواسطة الماء الدائر. يُضخ المبرد داخل القلب ودرجة حرارته 290 سيلزية ويخرج منه ودرجة حرارته 325 سيلزية. وللتحكم في مستوى القدرة power تُدخَل قضبان التحكم بين صفيفات الوقود. وهذه القضبان مصنوعة من مواد تهدئ التفاعل الانشطاري بواسطة امتصاص النترونات البطيئة (الحرارية) الصادرة أثناء الانشطار. ومن خلال رفع قضبان التحكم إلى أعلى أو خفضها إلى داخل القلب يتم التحكم في معدل التفاعل النووي. وعند استبدال الوقود أو في حالة وقوع حادث ما، تُنزل القضبان بأكملها داخل القلب لإيقاف التفاعل.
في حلقة تبريد المفاعل الأولية، يخرج الماء الحار من قلب المفاعل، ويجري من خلال مبادل حراري (يدعى مولد البخار) حيث يتخلى عن حرارته إلى حلقة بخار ثانوية تشتغل تحت مستوى ضغط أخفض. يتمدد البخار الناتج في المبادل الحراري بعدئذ في عنفة بخارية تدوِّر بدورها مولدا ينتج الكهرباء (عادة 900 إلى 1100 ميگاواط). ثم يُكثف البخار ويُضخ عائدا إلى المبادل الحراري لإكمال الحلقة. وفيما عدا المنبع الحراري فإن منشآت الطاقة النووية تشبه بصورة عامة محطات توليد الكهرباء التي تعمل بالفحم أو الوقود.
توجد عدة أشكال مختلفة من المفاعلات المبردة بالماء الخفيف، أجدرها بالملاحظة مفاعلات الماء المغلي التي تعمل تحت ضغط أخفض [عادة 70 وحدة ضغط جوي] وتولّد البخار داخل قلب المفاعل مباشرة دون الحاجة إلى المبادل الحراري الوسيط. وفي عدد أقل من منشآت الطاقة النووية يكون المائع المبرِّد هو الماء الثقيل [الذي يحتوي على الدوتيريوم، نظير الهدروجين] أو ثنائي أكسيد الكربون أو معدنا سائلا مثل الصوديوم.
يكون وعاء ضغط المفاعل عادة داخل قلعة خرسانية تعمل بمثابة درع ضد الإشعاع. وتكون القلعة بدورها محصورة في نطاق مبني من الخرسانة المسلحة بالفولاذ. ويصمم المبنى هذا ليمنع تسرب الغازات أو الموائع المشعة عند وقوع أي حادث. محررو ساينتفيك أمريكان
إن الحجم الصغير نسبيا والبساطة العامة في تصاميم مفاعل الوقود الحصوي يزيدان من جدواه الاقتصادية. فكل وحدة طاقة power module، تنتج 120 ميگاواط من الكهرباء، يمكن أن تُقام في وحدة يبلغ حجمها عُشر حجم منشآت المحطات المركزية الحالية، وهو ما يتيح المجال لتطوير مشروعات أكثر مرونة وأصغر حجما قد تقدم نتائج اقتصادية أفضل. فالمنظومات ذات الوحدات، على سبيل المثال، يمكن أن تصنّع في المصنع ثم تشحن إلى موقع البناء.
إن البساطة النسبية لمنظومة الوقود الحصوي، مقارنة بالتصاميم الحالية، لا تخلو من إثارة: فلا يوجد في هذه الوحدات سوى نحو 24 نظاما فرعيا للمنشأة الكبيرة مقارنة بنحو 200 نظام فرعي في مفاعلات الماء الخفيف. ومن المهم الإشارة إلى أن تشغيل هذه المنشآت يمكن أن يمتد إلى مدى من درجات الحرارة يسمح بانبعاثات الهدروجين المنخفضة (من الماء أو من مخزونات التغذية الأخرى) التي تُستخدم في خلايا الوقود وفي محركات وسائل النقل ذات الاحتراق النظيف، وهي تقانات يمكن أن يبنى عليها اقتصاد مستدام للطاقة التي أساسها الهدروجين [انظر الإطار في الصفحة 8].
وتضم مفاعلات الجيل التالي هذه عدة ميزات أمان مهمة كذلك. فالغاز المبرِّد (الهليوم) لكونه غازا نبيلا فإنه لا يتفاعل مع المواد الأخرى حتى عند درجات الحرارة العالية. وأكثر من ذلك، فإن عناصر الوقود وقلب المفاعل لا يمكن أن تنصهر لأنها مصنوعة من مواد مقاومة للحرارة، وهي لن تتقوض degrade إلا عند درجات الحرارة العالية جدا كتلك التي تحصل فجأة في حالات الحوادث (أعلى من 1600 درجة سيلزية)، وهذه خاصية تعطي هامشا كبيرا من الأمان عند التشغيل.