بسم الله الرحمن الرحيم
استمرّ سيدنا صالح عليه الصلاة والسلام يدعو قومه إلى الإيمان، واستمرّ قومه على عنادهم وتكبرهم من اتباع الحق، ولما وجدوا منه استمساكًا برأيه وإصرارًا على دعوته إياهم إلى عبادة الله وحده وترك عبادة الأصنام خاف المستكبرون من قومه أن يكثر أتباعه وأن ينصرفوا عنهم إليه، وفي ذلك ذهاب لسلطانهم وتفتيت لقوتهم، فأرادوا أن يظهروا للناس أنه عاجز غير صادق في دعواه وهذا من خبث نفوسهم وظلام قلوبهم عن اتباع الحق، فطلبوا منه معجزة تكون دليلاً على صدقه وقالوا له: أخرِجْ لنا من هذه الصخرة (وأشاروا إلى صخرة كانت هناك) ناقةً ومعها ولدها وصفتها وذكروا لها أوصافا، وقالوا له: إن أخرجت لنا من هذه الصخرة ناقةً ومعها ابنها ءامنّا بك وصدقناك، فأخذ سيدنا صالح عليه السلام عليهم عهودهم ومواثيقهم على ذلك، وقام وصلى للهِ تبارك وتعالى ثم دعا ربَّه عز وجلّ أن يُعينه ويجيبه إلى ما طلب قومه فاستجاب الله دعوتَه فأخرج لهم سيدنا صالح عليه السلام بقدرة الله ناقةً ومعها ولدها من الصخرة الصماء.
فقد أمر الله هذه الصخرةَ أن تَنفطر عن ناقة عظيمة طويلة فيها الصفات التي طلبوها ومعها ابنها، فلما رأى قومُه هذا الأمر الخارق للعادة الذي فيه الدليل القاطع والبرهانُ الساطع على صدق سيدنا صالح عليه السلام ءامن قسم منهم ، واستمر أكثرهم على كفرهم وعنادهم وضلالهم.
وعندما أخرج لهم سيدنا صالح عليه السلام هذه الناقة مع فصيلها بقدرة الله تعالى قال لهم هذه ناقة الله لكم أضافها عليه السلام لله تعالى إضافة تشريف وتعظيم وأخبرهم أنها لهم دليل صدق على دعوته عليه السلام، وأمرهم أن يتركوها تأكل في أرض الله ، وحذرهم أن يتعرضوا لها بالقتل أو الأذى، وأخبرهم أنهم إن هم تعرضوا لها بالسوء يأخذهم عذاب وهلاك عظيم.
فاتفق الحال على أن تبقى هذه الناقة بين أظهرهم ترعى حيث شاءت من أرضهم، فترِدُ الماء يومًا بعد يوم، ويقال إنها كانت إذا وردت الماء تشرب ماء البئر يومها ذلك فكانوا يرفعون حاجتهم من الماء في يومهم لغدهم .
مكَثت ناقةُ صالح عليه الصلاة والسلام في قبيلة ثمود زمانًا تأكل من الأرض، وترِدُ الماء للشرب يومًا وتمتنعُ منه يومًا، ممّا استمال كثيرًا من قومه عليه السلام إذ استبانوا بها على صدق رسالة نبيّهم صالح عليه السلام وأيقنوا بذلك، مما أفزع ذلك المستكبرين من قومه وخافُوا على سلطانهم أن يزول وقالوا للمستضعفين الذين أشرق نور الإيمان في قلوبهم ، ولكن جواب المؤمنين من أتباع صالح عليه السلام لم يؤثر في المشركين المستكبرين وظلت قلوبهم قاسية كالأحجار، ورأى المُستكبرون من قوم نبي الله صالح عليه السلام في هذه الناقة خطَرًا جسيمًا عليهم فاتفقوا على أن يعقروها ليستريحوا منها .
وقيل إنهم ظلوا مترددين في تنفيذ ما اتفق عليه إلى أن قامت فيهما امرأتان خبيثتان إحداهما كانت ذات حسب ومال فعرضت نفسها على رجل إن عَقر الناقة وذبحها، وكانت الأخرى عجوزًا كافرةً لها أربع بنات فعرضت على رجل شقيّ خبيث أيضًا أيّ بناتها يختار إن عقر الناقة، فقبل هذانِ الشابان وسَعيا في قومهم لأجل هذا الغرض الخبيث فاستجاب لهم سبعة ءاخرون فصاروا تسعة، فانطلق هؤلاء الرجال الخُبثاء يرصدون الناقة، فلما صدرت من وِردها رماها أحدهم بسهم، وجاء النساء يشجعن في قتلها فأسرع أشقاهم و شَدَّ عليها بسيفه وكشفَ عن عُرقوبها فخرت ساقطة إلى الأرض مَيتة بعد أن طعنها في لَبَّتِها فنحرها، وأما فصيلها فصعد جبلاً مَنيعًا ثم دخل في صخرة وغاب